روائع مختارة | روضة الدعاة | فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) | بين مقصد الإِجتماع و فِقْهِ التمكين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > فن الدعوة (وسائل وأفكار دعوية) > بين مقصد الإِجتماع و فِقْهِ التمكين


  بين مقصد الإِجتماع و فِقْهِ التمكين
     عدد مرات المشاهدة: 2457        عدد مرات الإرسال: 0

 محاربة أَسباب الْفُرْقَةِ والأخذ بأصول الإِتحاد والإِجتماع من أهم أسباب التمكين، فإِذا كانت الْفُرْقَة هى طريق الإِنحطاط فإنَّ الوحدة هى سبيل الإِرتقاء، لذا كان مَقْصِد الاجتماع والائتلاف ونبذ التفرق والإِختلاف من أجَل وأعظم مقاصد الشريعة، ولكثرة ما ورد فيه من نصوص منقولة وأدلة معقولة لم يختلف علماء الْمِلَّةِ-قَدِيمًا و حَدِيثًا-حول اعتباره مَقْصِدَا شرعيا مَقْطُوعًا بِهِ، بل واعتباره مِنْ أَهَمِّ مقاصد الشريعة على الإِطلاق، و أَنَّ السَّعْيَ لتحقيقه من أَعْظَم الطاعات وأجل  الْقُرُبَاتِ، نلحظُ أهميته بجلاء في شعائرِ الدين الظاهرةِ والباطنة ، فلِحِكْمَةٍ بالغة شرع الله لنا قراءة سورة الفاتحة مِنْ بين سور القران لنقرءها فى الصلاة ، وليس فيها دعاء واحد بصيغة الْمُفْرَد بل جميعها بصيغة الجماعة ، و مَنَعَتْ الشريعة إقامة جماعة ثانية فى المسجد - كما نَهَتْ عن صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ - إِنْ قُصِدَ بذلك المخالفة والتميز عن بقية المسلمين ، كما نَهَى النَّبِيُّ الكريم عن قراءة القرآن إِذا كانت ستتؤدى إِلى التنازع والإِختلاف برغم ما ورد فى فضلها من نصوص ،وفى مجال المعاملات أَمَرَت الشريعة بتوثيق العقود خوفا من الجحود كما منعت كل معاملة تُوقِعُ بين الناس العداوة والبغضاء، بل وَصَلَ أمر تعظيم هذا الْمَقْصِدَ إِلى درجة أَنَّ رسولنا-و هو أفضل الخلق -نهى عن القطع بأفضليته إِذا كان سيؤدى إِلى الإِختلاف والتنازع مع غير المسلم، فقال "لا تُفَضِّلُونى على الأنبياء"، مِمَّا يَدُلُّ على أَنَّ هذا الْمَقْصِدَ ليس مقصورا على المسلمين وحدهم، بل يشمل غيرهم مِمَّنْ لم ينابذوا المسلمين العداء أو يعينوا أَحَدًا عليهم، فدِينُنَالم ينزل لتأجيج الصراع بين بَنِي البشر ولكن لضبط العلاقة وتنظيمها،

و من علامات الفقه و مقتضيات الرَّبَّانِيَّةِ المشار اليها فى قوله تعالى : "وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ " أَنْ لا يذكر الإِنسان النصوص التى تشير الى تَفَرُّقِ الْأُمَّةِ أمام من يسيئون فَهْمها حَتَّى لا تُتَّخَذ شِعَارًا تتَفْرق به الْقُلُوبِ وَتَتشَتتت به الجهود ، فالرَّبَّانِيُّ هو الَّذِي يُرَبِّي النَّاسَ بِصِغَارِ الْعِلْمِ قَبْلَ كِبَارِهِ، وَكَأَنَّهُ يَقْتَدِي بِالرَّبِّ سُبْحَانَهُ فِي تَيْسِيرِ الْأُمُورِ ، وَالْمُرَادُ بِصِغَارِ الْعلم مَا وضح من مسَائِله وبكباره ما دَقَّ مِنْهَا ، وعليه - إِنْ ذَكَرَها- أَنْ يزيل عنها اللَّبْسَ و يُضَمَّ إِلَيْها بقية إِخوانها من النصوص الأخرى التى تحث على الاجتماع والائتلاف حتى تظهر لوحة العلاقات مع الآخر جميلة دون تناقض أو تضارب أو تشويه ، تتناسب مع رسالة الاسلام لأهل الأرض ،كما أَنَّ الإِخْبَار بأَنَّ التفرق سيقع فى الْأُمَّةِ لا يعنى التسليم للأمر الذي سيقع ، وإِنما يعنى الأخذ بالأسباب المشروعة لدفعه ،

فإِنْ قيل مع مَنْ و عَلَى أَيِّ شَيْءٍ يكون الإِجتماع ؟ فالجواب : فى أوقاتنا هذه - أوقات الْمُهِمَّاتِ و الْمُلِمَّاتِ حيث تتعرض الأمة لخطر التخريب والتغريب والعلمانية يكون الاجتماع على المصالح الضرورية والمشتركة ، مع كل من له سَعْيٌ جَادٌّ في المحافظة على استقرار الوطن و أَمْنِهِ و الدفاع عنه، حتى و إِنْ كان معارضا، طالما أَنَّ معارضته سلمية و تدفع فى اتجاه البناء لا العرقلة ، لاسيما و أَنَّ المطلوب هو وحدة الصف لا وحدة الراى ، وحدة القلوب لا وحدة العقول، وحدة القلوب تعنى سلامة الصدر وحسن القصد وعمق الانتماء ، أما اختلاف العقول فيهدف الى التلاقح والابداع والتنوع فى الاجتهاد ، وعلينا أَلَّا ننسى أَنَّ موسى الكليم طلب من ربه أَنْ يؤازره بأخيه هارون ليكون عونا له فى موجهة طغيان فرعون واستبداده فقال الله له: " سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ"

ما أحوجنا الى تفعيل هدا الْمَقْصِد فى مرحلتنا هذه - مرحلة البناء والتكوين - حرصا على وحدة المجتمع، وحشدا لجميع طاقات الأمة في خندق المواجهة مع أعداء الملة في الداخل والخارج الذين بدت البغضاء من أفواههم وأقلامهم وأفلامهم صباح مساء، وما تخفى صدورهم أكبر، لا يجمعهم إلا بُغْضُ الاسلام و حَمَلَته ، ولا يؤلف بينهم إلا الرغبة المشتركة في قهره وإِفشاله ، وإِستئصال كل بادرة للخير تنبت على أرضه وتحت سمائه ، ولا يخفى أنهم قد راهنوا على تشرذمنا و تصدع صفوفنا ،

وحتى لايكون الطرح نظريا مَحْضًا، و لِيَعْلَمَ كل واحدا منا مَوْقِعَه و دَوْرَه ، أقترح بعض الصورة العملية فى النقاط التالية ،مع ملاحظة أنني  قصدت أَنْ تكون هذه المهام مهاما ذاتية فى وسع كل شخص مِنَّا أن يقوم بها :

أولًا : تعظيم مقصد تأليف القلوب واجتماعها على مصالح الدين والدنيا فى نفوس الناس، و جَمْعُ كلمتهم تجاه هموم الوطن و قضاياه الكبرى بكل ما تناله اليد من الأسباب و وسائل البلاغ ، وهذا السعى ليس سعيا في مُحَال ولا مراغمة للأقدار، بل هو سعي في واجب شرعي و مُمْكِنٍ عقلي

ثانيا : أَنْ نعتقد أَنَّ استقامتنا الشخصية هى الْهَدِيَّةُ الأولى التى نقدمها للوطن، و الْهَدِيَّةُ الثانية هى حَلُّ مشكلاتنا الشخصية بأنفسنا و دون مساعدة من أحد ما أمكن ذلك

ثالثًا : المشاركة فى العمل الخيرى و التطوعى، خاصة التكافل الاجتماعى و إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، و ألَّا ننزع يَدَنا من عمل نافع ، بل نحرص على أَنْ نضرب بسهم فى كل عمل ايجابى يضيف نقطة الى رصيد النجاح ، وفارق كبير بين حُبُّ الْخَيْرِ وبين فِعْلِهِ

رابعا : هضم النفس وعدم التشبث بالرأى، وإدارة الخلاف مع الصديق والعدو بالحوار والشورى - خاصة فى القضايا العملية التى تحتاج فى تنفيدها لجهد مُوَحَد- و استعمال الخلق الحسن و تَحَرَّى الطيب من القول و إشاعة روح التغافر والتسامح , و أَنْ نذكر أنفسنا بقوله تعالى « فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً » ، فَإِذا كان مُوسَى أُمِرَ بِأَنْ يَقُولَ لِفِرْعَوْنَ قَوْلًا لَيِّنًا، فَمَنْ دُونَهُ أَحْرَى بِأَنْ يَقْتَدِيَ بِذلك في خطابه، وَأَمْرِه بالمعروف في كلامه.

خامسًا : سَدُّ الباب أمام كل من يحاول تأليب الناس و زعزعة الاستقرار، مع عدم الخلط بين النقد الهادف الْبَنَّاءِ -و الذي يجب ان تَصْغَى إلَيْهِ أَفْئِدَتنا-و بين الفوضى والتخريب،

وأَخِيرًا : لا يوجد مجتمع أقوى من مجموع أفراده، و فى الحكمة : ليس الْمُهِمُّ السرعة التى تسير بها لَكِنَّ الْمُهِم أَنْ تكون على الطريق الصحيح

اللهم اجمع كلمتنا على الحق و اهْدِ قُلُوبَنَا وأَزِلْ فُرْقَتنا

أحمد عبد المجيد مكى

باحث في الشريعة الاسلامية